ميسور...الجغرافية والتاريخ
مصطفى الحسناوي
تمهيد
مصطفى الحسناوي
بقلم: مصطفى الحسناوي
شخصيا أعتبر أن المسلمين يعيشون أزمة، والمسلمون كلهم يعترفون بذلك، سواء أعلنوه أم لم يعلنوه
لكن قبل إعطاء لمحة عن تلك الأزمة، لابد من التوقف عند أزمة ماكرون نفسه، وأزمة دولته وعلمانيته
يعيش ماكرون أزمة كبيرة في تدبير ملف كورونا، وفي تدبير ملفات الطبقة العاملة، ويعيش أزمة خانقة مع الطبقتين الفقيرة والمتوسطة، بسبب إجراءات التقشف التي فرضها، والتي جرت عليه سخطا عارما، وصل حد اتهامه بالاهتمام بمصالحه الشخصية، وتبذير أموال الشعب في شراء مواد التجميل لنفسه، بمبلغ قدره 26 ألف يورو (حوالي 30 مليون سنتيم مغربي في ثلاثة أشهر فقط)، ما أدى لهبوط حاد في شعبيته
ومن أزمات ماكرون أنه يتحالف مع المستبدين في منطقتنا العربية والإسلامية، سيرا على سيرة أسلافه في إدامة هذا الاستبداد الذي تستفيد منه دولتهم، ويستفيدون منه هم شخصيا رشاوى وهدايا وتقاعد مريح يقضونه في بلداننا
أما دولته فهي تجر وراءها إرثا استعماريا إجراميا مخزيا ومخجلا، وآلاف الجرائم والإبادات الجماعية، واختبارات الإشعاعات النووية وغيرها من الاختبارات على سكان المستعمرات الإفريقية، وقطع رؤوسهم والتمثيل بجثثهم، بل وأخذ صور مع الرؤوس المقطوعة والتباهي بذلك
أما علمانية فرنسا فإنها أسوء علمانية تم تطبيقها لحد الآن، وهي أشبه بمحاكم التفتيش، أو بدين متسلط يتدخل في حياة الناس الخاصة، وفي معتقداتهم وشعائرهم ومأكولاتهم ولبوساتهم
فقد عبر وزير داخلية فرنسا قبل فترة قصيرة، عن انزعاجه من وجود مأكولات حلال بالمتاجر الفرنسية، أما التدخل في لباس المسلمات فحدث ولاحرج، أصبحت فرنسا مثل خياط يأخذ قياس المسلمات ويفصل لهن ألبسة على ذوقه ومن اختياره
الجريمة التي راح ضحيتها الأستاذ الفرنسي، لم تكن لتحدث لو أن هذا الأستاذ راعى التنوع الموجود بين تلاميذ فصله، ولو أخذ بعين الاعتبار معتقداتهم وأديانهم... وهذا مثال لأزمة فرنسا مع تنوعها، ومثال لأزمة مثقفيها ونخبتها التي لاترعي السياقات والاختلافات
ماذا الآن عن أزمة المسلمين؟
الواقع يشهد أن المسلمين يعيشون أزمة كبيرة ومستعصية، ولعل التفاعل مع قضيتي أنا شخصيا خلال الأسبوعين الماضيين، يعكس جانبا من هذه الأزمة، لدرجة أنك إذا أعلنت عن حيرتك وشكوك تراودك بخصوص نصوص أو تفسيرات، تتلقى هجوما كاسحا وسيلا من السب والشتم والسخرية والتهديد والوعيد، وعوض أن يجيب الناس عن أسئلتك، أو يطرحوا عليك المزيد من الأسئلة لتتضح لهم الصورة، يفضلون التهجم، والتحدث عن أسباب مضحكة، من قبيل أن شكوكك هذه دافعها الحصول على اللجوء، أو تفسيرات صبيانية تعكس أزمة عقلية وفكرية ونفسية وسلوكية قاتلة لدى هؤلاء
إذا لم يعترف المسلمون بأن هناك أزمة على مستوايات عديدة، فيستحيل أن يهتدوا لأي حل لها، ولن تنفع سياسة النعامة ولا سياسة الهروب إلى الأمام
أول أزمات المسلمين هي عجزهم عن تطبيق نظامهم الإسلامي، وغياب قوانين وتشريعات الإسلام، التي انتهت منذ قرون. وبقاء هذا الجانب من الإسلام في الكتب فقط، وغيابهم عن الواقع كليا
أين هو نظام الحكم الإسلامي، أين هي الشورى أين هو العدل، أين هي الحدود، أين هو النظام الاقتصادي والاجتماعي... الإسلامي؟ لا وجود لذلك
قبل هذا وذاك، المسلمون يعيشون تشرذما وتشظيا عقديا مهولا، ويكفي إلقاء نظرة على أقرب مدرستين من بعضهما، الأشاعرة والسلفيين، وكلاهما تنتميان لطائفة أهل السنة والجماعة، وبالرغم من ذلك فإن العداء والحروب الكلامية، على أبسط الأمور، لاتهدأ إلا لتشتعل من جديد، فما بالك بالطوائف الأبعد؟
المسلمون يعيشون في ذيل الأمم علميا واقتصاديا وسياسيا وعسكريا، والفقر يجتاح بلدانهم والحروب والانقسامات والصراعات والاستبداد والفساد
المسلمون يسهل تجييشهم وشحنهم والعزف على عواطفهم، وبذلك هم أكثر من يخرب أوطانهم، ويطيل أمد تخلفهم وتأخرهم، وهم بأنفسهم يثبتون تهم الإرهاب والهمجية والتطرف على أنفسهم، ويكفي أن عدو من أعدائهم بينهم ويشحنهم أو يستفزهم، ليثبت وجهة نظره القائلة بأنهم متطرفون، ثم ينسحب في هدوء، ليتركهم يجتهدون في إثبات كل الاتهامات على أنفسهم
ما سمي بالربيع العربي، تثبت الأيام أن هناك أياد حركته أو على الأقل اخترقته، وانساق وراءه الناس بكل حماس، ثم أصبحوا فجأة ينفذون أجندات أعدائهم
الجماعات الإرهابية، استطاعت استقطاب عشرات آلاف الشباب المسلم من مختلف دول العالم
في كل مرة يقوم مسلم بدهس مجموعة من المارة، أو قطع رأس أحدهم، أو تفجير نفسه، زو إطلاق النار، بسبب أعمال استفزازية سرعان مايستجيب لها المسلم. وآخرها جريمة قطع رأس الأستاذ الذي قام هو بدوره بجريمة استفزازية بحق المسلمين
قبل أسابيع قام متطرفون يمينيون دانماركيون، بحرق المصحف في مدينة مالمو السويدية، ليثبتوا أن المسلمين همج ومتطرفين، فما كان من المسلمين إلا أن أثبتوا ذلك للعالم، وعوض أن يردوا بشكل هادئ وعقلاني، على استفزازات المتطرفين، بتنظيم ندوات وأنشطة راقية للتعريف بالإسلام وبالقرآن، انطلق المئات من المسلمين في شوارع السويد، مرددين شعارات غريبة لاعلاقة بها لا بالعصر ولا بالواقع، وبدأوا بحرق الممتلكات العامة والخاصة، وتكسير وتدمير أي شيء يجدونه في طريقهم، فدمروا مدينة مالمو، ورشقوا الشرطة السويدية بالحجارة، وكسروا واجهات المنازل والمحلات التجارية ووسائل النقل العمومي، الذي يستعملونه ويحتاجونه في تنقلاتهم، بالرغم من أن العمل الاستفزازي قام به شخص دانماركي ورجع لبلاده، فما ذنب الممتلكات العامة والخاصة السويدية؟؟ لكنه الحمق الذي يأبى أصحابه إلا أن يثبتوا كل التهم عليهم، ويؤكدوا لعدوهم أنه على حق. وهكذا كسب المتطرف اليميني الجولة، وراح يقول في وسائل الإعلام، ألم أقل لكم إنهم همج متخلفون إرهابيون، يشكلون خطرا داهما على بلداننا
قبل أيام أعلنت فرنسية كانت مختطفة لدى تنظيم القاعدة إسلامها، فهلل المسلمون وكبروا وراحوا يتحدثون عن أخلاق المسلمين، الذين جعلوا أسيرة تنبهر بهم وتعلن إسلامها.... المسلمون الذين هللوا وطبلوا، لايعلمون خفايا وخبايا القصة، ولايعلمون هل أسلمت هذه السيدة أم أن هناك مسرحية ما، ولايعلمون أنهم من حيث لايدرون يصفقون لتنظيم القاعدة، ويشيدون به، ولايتساءلون أين هي الأخلاق أصلا في اختطاف امرأة تعمل في الإغاثة، وأين هي الأخلاق في إبقائها محتجزة بالرغم من أنها أسلمت منذ مدة كما يقال، وأين هي الأخلاق في قبض أموال الفدية مثل العصابات الإجرامية، فهل هذه أخلاق إسلامية؟؟ ولماذا بعد أن أسلمت أخذوا الأموال، أليس من الأولى إطلاق سراح مسلمة لحال سبيلها؟؟ المسلمون تركوا كل هذا وتحدثوا عن أخلاق ما؟؟ لا ندري ما هي، هي التي دفعت المختطفة لأن تسلم
طبعا استغل المتطرفون اليمينيون كل ذلك، ليظهروا للعالم أن المسلمين كلهم، يتعاطفون مع تنظيم القاعدة والاختطافات التي يقوم بها، ويصفونه بأنه يمثل أخلاق الإسلام الحقيقية
هذه أمثلة بسيطة لأزمات المسلمين العاطفية والفكرية والسياسية والسلوكية... التي عليهم الاعتراف بها، وتداركها قبل فوات الأوان
صحيح أن هناك أسبابا خارجية وراء ذلك، مثل تسلط الدول الاستعمارية، والاستبداد المحمي من الدول العظمى، لكن لاينبغي تجاهل الأسباب الداخلية الحقيقية والعميقة والضاربة بجذورها
لاينبغي تجاهل الأسباب الطائفية والعقدية والفقهية والتاريخية. لاينبغي تجاهل خطابات الشحن أو خطابات التجهيل، أو خطابات دغدغة العواطف، التي تتبناها تيارات وشيوخ ودعاة
وفي اعتقادي أن الحل بيد الشيوخ والدعاة أنفسهم، والنخبة المثقفة الإسلامية، وذلك بالقطع مع كل خطابات دغدغة العواطف، وخطابات التطرف، وخطابات الشحن، وخطابات الأحلام والأوهام، والعمل بجد ليتعامل المسلم مع واقعه على أسس واقعية وعقلانية
عاشت أمس مدينة مالمو السويدية، يوما أسودا وليلة بيضاء، من مظاهرات وإحراق للإطارات وإشعال للنيران وتخريب وتكسير وفوضى... من طرف مئات الشباب المهاجرين العرب والمسلمين.







انضم الى نشرتنا
تغيير الالوان
تخصيص