random-posts

ميسور...الجغرافية والتاريخ

ميسور...الجغرافية والتاريخ

 مصطفى الحسناوي



تمهيد 
كنا نحن شبان مدينة ميسور، عندما نقصد إحدى مناطق المغرب ومدنه، للدراسة أو العمل أو السياحة، نفاجأ بجهل من نلقاه لمنطقتنا، بل لموقعها على الخريطة، فيحاول الواحد منا جاهدا تقريب الجهة والموقع لهذا المتسائل، دون جدوى. 
ومن الطرائف أنني كنت وصديق لي، مرة من المرات، في زيارة لمدينة أصيلة، فسألنا أحدهم عن موقع مدينتا، فأجابه رفيقي، أنها تقع قرب وجدة، فقلت لصاحبي لما لم تقل له قرب الرباط، فبدت علامات الاستغراب على وجهه، وبادرته قاطعا عليه استغرابه، أن المسافة بين ميسور و وجدة، تقارب المسافة بين ميسور والرباط. كنت أعرف أنه فقط يحاول وضع السائل في الصورة، وتحديد وجهة هذه المدينة المجهولة، وكان هذا ديدني أيضا، وديدن كثير من رفاقي، نحاول أن نلتصق بمعلمة أو حدث، أو شخصية معروفة، أو حتى كارثة، لنرفع عن أنفسنا ومدينتا صفة الجهالة، وإبعاد شبح التهميش والتجاهل. 
وقد دفعني هذا الشعور، لتسجيل كل ما يرمز لمدينتي أو يذكر بها أو يشير إليها، من قريب أو بعيد، فتحصل لدي عدد لا بأس به من قصاصات الجرائد والمجلات والكتب، والصور والخرائط، ومذكرة تحوي أسماء الشوارع والمقاهي والمطاعم، التي سميت باسم مدينة ميسور، في شتى المدن التي زرتها، على طول البلاد وعرضها. ثم ضاعت مني أغلب تلك المعلومات، فكانت بحق خسارة فادحة لأرشيفي الخاص. 
وقد عزمت على تدوين ما تبقى لدي من معلومات، في موضوع متناسق، حفاظا عليها من الضياع، وخدمة لهذه المدينة، وإشراكا مني للقراء، في الاطلاع على ما قد يخفى عليهم، من تاريخ وجغرافية بقعة منسية، من بقاع هذا البلد الحبيب. وقد اعتمدت في هذا الموضوع على ما تبقى لدي من قصاصات، بالإضافة للمراجع التالية: 
معلمة المغرب، ( موسوعة) الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، أحمد الناصري. 
إتحاف أعلام الناس بجمال حاضرة مكناس، ابن زيدان. 
السلفية الوهابية بالمغرب، مخلص السبتي. 
دوحة الناشر لمحاسن من كان بالمغرب من مشايخ القرن العاشر، ابن عسكر. 
الإعلام بمن غبر من أهل القرن الحادي عشر، عبد الله الفاسي. 
إتحاف المطالع بوفيات أعلام القرن الثالث عشر والرابع، عبد السلام بن عبد القادر بن سودة. 
نشر المثاني لأهل القرن الحادي عشر والثاني، محمد بن الطيب القادري. 
التعرف على المغرب، شارل دوفوكو. 
وقبل البدء، أنبه أنه بجنوب الهند، مدينة تدعى ميسور، هي مدينة صغيرة سياحية رائعة وساحرة، من أهم معالمها قصر ميسور العظيم، الذي بناه الملك المسلم، تيبو سلطان، عام 1897. كذلك توجد وسط الولايات المتحدة الأمريكية، ولاية تدعى ميسوري، وتقطنها جالية عربية تفوق 4000، شخص. ويخترقها نهر الميسوري من الغرب إلى الشرق. 
التسمية 
ميسور، اسم تطور عبر التاريخ، وقد لعبت ظروف طبيعية وأحداث تاريخية واقتصادية دورا مهما في هذا التطور. 
فميسور في اللغة، تحيل إلى الوفرة والكثرة. واستنادا إلى أن حياة الترحال كانت نشاطا سائدا في المنطقة، فقد يكون لوجود الماء بوفرة في المنطقة، علاقة بالاسم. وأيضا تنسب روايات ومصادر تاريخية الاسم، لأعلام تسموا بهذا الاسم، أو قريب منه. 
لكنها روايات تحتاج إلى تدقيق وتمحيص، كالقول بأن أصل اسم المدينة بربري، نسبة إلى أحد البرابرة السبع الذين توجهوا لزيارة الرسول صلى الله عليه وسلم، واسمه "يعلى بن واطن بن مسكر". 
أو إلى "ميسرة المدغري"، الذي طوع بلاد ملوية خلال القرن الثاني الهجري، وكان أحد رواد الخوارج الصفرية. أو إلى "ميسور الخصي"، القائد العسكري خلال الحكم الفاطمي بالغرب الإسلامي، في القرن الرابع الهجري، وأستسمح القراء في الوقوف قليلا مع هذا القائد. 
لما تراجعت الدولة الإدريسية وضعفت وانكمشت. أصبح المغرب ساحة صراع بين الفرع المرواني للخلافة الأموية، وبين الدولة العبيدية الشيعية، فقد كان مدين بن موسى بن أبي العافية واليا على فاس، ثم دخلها حميد بن يصليتن، الموالي للعبيديين الشيعة، وعين عليها حامد بن حمدان، ثم ثار عليه أحمد بن بكر بن عبد الرحمن الجذامي، وقتله وعادت السيطرة إلى بني مروان، إلى أن أرسل العبيديون قائدهم العسكري، "ميسور" لحصار فاس. 
وقد أورد الناصري في الاستقصا 1/245، أنه: "لما اتصل الخبر بصاحب إفريقية أبي القاسم بن عبيد الله المهدي، سرح قائده ميسور الخصي، إلى الغرب، فقدمه ميسور سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة...وتقدم ميسور إلى فاس فحاصرها أياما إلى أن خرج، إليه أحمد بن بكر الجذامي مبايعا، وقدم بين يديه هدية نفيسة ومالا جليلا، فقبض ميسور الهدية والمال... ولما أحس أهل فاس بغدره، امتنعوا عليه وأغلقوا أبوابهم دونه... فحاصرهم ميسور سبعة أشهر، ولما طال عليهم الحصار رغبوا في السلم فصالحهم... فقبل ميسور ذلك منهم... لما صالح ميسور أهل فاس نهض إلى حرب ابن أبي العافية، فدارت حروب كان الظهور في آخرها لميسور... وطرد موسى بن أبي العافية، إلى نواحي ملوية وأوطاط وما وراءها من بلاد الصحراء ثم قفل إلى القيروان. 
قال ابن أبي زرع في كتاب القرطاس: "أن بني إدريس تولوا معظم الحروب التي دارت بين ميسور وبين أبي العافية، وإنهم قاتلوا ابن أبي العافية حتى فر أمامهم إلى الصحراء... فلم يزل ابن أبي العافية شريدا في الصحراء وأطراف البلاد التي بقيت بيده، وذلك من مدينة آكرسيف إلى مدينة نكور، إلى أن قتل ببعض بلاد ملوية، وذلك سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة". 
كان هذا عن أصل التسمية، أما عن تأسيس المدينة، فإن ذلك راجع لعشرينيات القرن الماضي على يد المعمرين. 
التأسيس والتوسع 
لنلق نظرة خاطفة عن ميسور قبل المرحلة الاستعمارية، أي نهاية القرن 19، يذكر الجاسوس والمنصر شارل دوفوكو، "أن ميسور لم تكن خاضعة للدولة المغربية، وكانت تسير شؤونها بنفسها"، وفق نظام قبلي ضم عددا من القصور والدواوير والقصبات، التي اتخذت من بطن وادي ملوية وروافده مستقرا ومقاما لها، وكان تعداد ساكنة هذه القصور حوالي 6000 نسمة، اتخذت من المجال السهبي فضاءً مخصصا للرعي الترحالي. 



بعد استيلاء المستعمر على التخوم الشرقية للمغرب، وبعد إنشاء عين بني مطهر سنة 1904، تم إرسال جنود فرنسيين قصد التعرف على المناطق السهبية لملوية، ما بين 1905-1906، وبعد الاستيلاء على القصابي التي كانت تعرف بقصبة المخزن، سنة 1918، تم إنشاء مراكز عسكرية بكل من عين الكطارة جنوب ميسور، وأوطاط الحاج، وميسور، وبعد الاستيلاء على المنطقة اختار المعمرون مكانا استراتيجيا لبناء نواة المدينة، فجاء الموقع متوسطا المسافة بين أهم قصور المنطقة، إيكلي شرقا وأولاد بوطاهر غربا، فوق مكان يقع على الضفة اليسرى لوادي ملوية، قصد تسهيل عملية التحكم والمراقبة، فتم بناء ثلاث ثكنات تضم أربعة فيالق عسكرية، وحيا عسكريا، ومرافق إدارية، ومستوصف، وفندقين، وحانة، وكنيسة، ومسبح، وقاعة سينما، وملعب لكرة القدم، ومطار عسكري، ومحطة للقطار الذي كان يربط ميدلت بكرسيف، لنقل الجنود والعتاد، وغيرها من المرافق، التي أنشئت وفق أهداف واستراتيجية وتخطيط احتوائي استعماري، حيث فرض نمط من العيش على واحة بثقافتها وتقاليدها المتوارثة، وأقحمت هذه المدينة المصطنعة بين القصور والقصبات، كمعسكر للاستعمار الفرنسي لأغراض سياسة واستراتيجية. 
وقد نفي إليها الشيخ محمد بن العربي العلوي، فعلى إثر مواقفه البطولية ضد الاستعمار وأتباعه، قررت فرنسا نفيه إلى قرية القصابي ثم إلى مركز ميسور. 
ثم فرض على الأهالي أن يتعايشوا مع جالية فرنسية مهمة، تكونت من الأطر الإدارية والضباط، كما كانت هناك جالية يهودية، قدرت سنة 1947 ب 762 نسمة، وفرض على الأهالي أن يخدموا المعمرين، حيث اقتيدوا قهرا للعمل بأوراش البناء، أو الانخراط في سلك "المخزن". 
عشر سنوات بعد الاستقلال، عاشت المدينة ركودا سكانيا وعمرانيا، حيث عرفت طوال هذه العشر سنوات، هجرة مكثفة للمعمرين، وللجالية اليهودية التي كانت ملتصقة بهم، ووفدت معهم، وهكذا ففي الوقت الذي كان عدد السكان سنة 1951، 1208 نسمة، لم يتجاوز سنة 1960، 1350 نسمة، أي بزيادة 140 نسمة خلال عشر سنوات. وفي العشرية الثانية، أي بعد 1966، هاجر ما تبقى من اليهود نحو إسرائيل، فأقبل الميسورون من الميسوريين، على شراء المنازل والمحال التجارية التي كانت في ملك اليهود، وفي هذه الفترة تم توسيع المدينة بزيادة حيين: 
الأول: حي "البام" وهو حي عصري أنشئ شرق المدينة، بمساعدة البرنامج العالمي للأغذية. 
الثاني: "خرمجيون" أنشئ بطريقة عشوائية، شمال المدينة، وعرف إقبالا كبيرا نظرا لسهولة الحصول على بقعة أرضية، إما استحواذا عليها بالقوة، أو اقتنائها بأثمنة زهيدة، وأيضا بدون رخص للبناء، فسكنته فئات فقيرة من الرعاة والمتقاعدين. ويطلق عليه حاليا "حي سيدي بوطيب"، (ولنا وقفة مع هذه الشخصية في الأسطر المقبلة). 
خلال منتصف السبعينات، تم إنشاء إقليم بولمان في 23 أبريل 1975، وانتقلت المدينة من مجرد تجمع سكاني يحوي حوالي 2000نسمة، إلى عاصمة إدارية للإقليم، تضم عدة مرافق إدارية واجتماعية، وتجهيزات صحية. 
وانتقل عدد السكان سنة 1982، إلى 5055 نسمة، ثم قفز سنة 1994إلى 13000 نسمة، بسبب إحداث بلدية ميسور سنة 1992، على إثر التقطيع الانتخابي لهذه السنة، فتوسع المدار الحضاري ليبتلع أحد الدواوير المهمة، هو دوار إيكلي، وفي سنة 1998، بلغ عدد السكان 14000 نسمة، وكانت المدينة تنتشر على بقعة مساحتها 350 هكتار (18 كلم مربع)، وهي حاليا تفوق 26000 نسمة. الاقتصاد والخدمات وقد أدى هذا التزايد والنزوح المكثف للسكان، إلى حركية عمرانية، حيث أنشئ بعد الحيين المذكورين سابقا، أحياء أخرى، كالحي الإداري وحي السلام وحي القدس، واكتسحت التجزئات المجال الأخضر شرق المدينة، وأيضا الأراضي الزراعية بكل من إيكلي وتاغزوت، وظهرت بالضواحي عدة أحياء هامشية عشوائية، كدوار المراير، ودوار الزاوش، ودوار حميدو، حيث اعتبرت هاته البؤر ملاذا وملجأ لفئات تعيش تحت مستوى الفقر، من رعاة وحمالين، ومطلقات، وأرامل، وغيرهم، ممن نزح من السهوب المحيطة بالمدينة، فرارا من جفاف أو كارثة من الكوارث. كما عرف هذا التزايد السكاني، تكاثر المصالح الإدارية والاجتماعية والخدماتية وغيرها، وتكثيف شبكة المواصلات بين ميسور وباقي مدن المغرب، وأيضا تطور السوق الأسبوعي للمدينة، حيث لم يعد مقتصرا على يوم واحد، بل يومين في الأسبوع، والسوق الأسبوعي في المدينة قديم قدم المدينة، فقد أنشأه المعمرون الذين عمدوا لأسواق القصور والدواوير، وجعلوا لها يوما واحدا هو يوم الأربعاء (وهو اليوم الذي بقي مستمرا العمل به لحد الساعة)، تجتمع في مركز المدينة، قرب ثكنة عسكرية استعمارية، وبعد الاستقلال تم نقله مرات عديدة من مكانه. ويعتبر حاليا من بين الأسواق الكبرى للأغنام بالمغرب الشرقي والأطلس المتوسط، والسوق الأسبوعي مناسبة للفلاحين البسطاء بالدواوير لترويج بضاعتهم المزجاة من منتوج لا يسد الرمق، وكذلك قبلة لترويج المواد المهربة من الشمال، عدا هذه الأنشطة فإن الركود هو السمة المسيطرة على هذه المدينة. 
الأعلام 
وعن أعلام المنطقة، (ذكرت كل من سمي أو عرف بالميسوري، دون تحقق مما إذا كان من أبناء المنطقة أو ممن سكنها، أو مر بها فقط) نذكر من بينهم حسب التسلسل الزمني: 
* اليحياوي بن يحيى بن أبي القاسم، المعروف بسيدي بوطيب. أحد رجالات الفضل والصلاح بملوية الوسطى، فر من السلطان أحمد المنصور السعدي، ونزل أولا بأوطاط الحاج، ثم استقر بميسور وأسس زاويته بها في موضع يقع بين وادي ملوية ووادي شف شرق، وقامت زاويته بأدوار عدة في المنطقة كتعليم الناس، وإطعام المارة، وإيواء وحماية الضعيف، والفصل في النزاعات القبلية حول الأراضي والمراعي ومياه السقي. توفي رحمه الله في ربيع الأول سنة 988ه ودفن بميسور. 
* الطيب الميسوري، أخذ العلم عن جماعة من الأعيان، وله تآليف عديدة، في فنون عدة، وشرع في عدة كتب، مات قبل أن يتمها، منها كتاب مرآة المحاسن، ومنها شرح على قصيدة كعب بن زهير، وشرح على دلائل الخيرات، وشرح على الشفا، وغير ذلك. وله قصائد كثيرة. توفي سنة 1052ه. 
* أحمد الميسوري، صوفي، توفي بفاس ودفن بضريح مسعود الدراوي، سنة 1095ه. 
* محمد بن عيسى الميسوري، عالم مقرئ مدرس، من ميسور، درس النحو والبيان والمنطق والكلام والتوقيت والقراءة والفقه، بمدرسة الوادي ومدرسة الصهريج بفاس. وتخرج على يديه كثير من العلماء بها. توفي رحمه الله قرب مدينة وجدة، سنة 1737م 1150ه. 
* محمد بن الطاهر العلوي، من شرفاء بوسلام، أحد قصور ملوية، فقيه، علامة، مشارك، نقاد، مدرس، فريد عصره وأعجوبة دهره، محقق إمام في سائر الفنون عقليها ونقليها، ماهر في التفسير والحديث وعلوم العربية، استوزره إمام وقته مولاي عبد الرحمن ونوه به، رحل إلى فاس واستوطنها، ثم استوطن مكناس، توفي بمراكش منتصف جمادى الأولى 1248ه، ودفن بضريح مولاي علي الشريف. 
* أحمد الغوان الميسوري، صوفي، توفي 1270ه، ودفن بباب الحمرا، داخل باب فتوح.

الإسلام وماكرون والأزمة

الإسلام وماكرون والأزمة

 


بقلم: مصطفى الحسناوي

شخصيا أعتبر أن المسلمين يعيشون أزمة، والمسلمون كلهم يعترفون بذلك، سواء أعلنوه أم لم يعلنوه

لكن قبل إعطاء لمحة عن تلك الأزمة، لابد من التوقف عند أزمة ماكرون نفسه، وأزمة دولته وعلمانيته

يعيش ماكرون أزمة كبيرة في تدبير ملف كورونا، وفي تدبير ملفات الطبقة العاملة، ويعيش أزمة خانقة مع الطبقتين الفقيرة والمتوسطة، بسبب إجراءات التقشف التي فرضها، والتي جرت عليه سخطا عارما، وصل حد اتهامه بالاهتمام بمصالحه الشخصية، وتبذير أموال الشعب في شراء مواد التجميل لنفسه، بمبلغ قدره 26 ألف يورو (حوالي 30 مليون سنتيم مغربي في ثلاثة أشهر فقط)، ما أدى لهبوط حاد في شعبيته

ومن أزمات ماكرون أنه يتحالف مع المستبدين في منطقتنا العربية والإسلامية، سيرا على سيرة أسلافه في إدامة هذا الاستبداد الذي تستفيد منه دولتهم، ويستفيدون منه هم شخصيا رشاوى وهدايا وتقاعد مريح يقضونه في بلداننا

أما دولته فهي تجر وراءها إرثا استعماريا إجراميا مخزيا ومخجلا، وآلاف الجرائم والإبادات الجماعية، واختبارات الإشعاعات النووية وغيرها من الاختبارات على سكان المستعمرات الإفريقية، وقطع رؤوسهم والتمثيل بجثثهم، بل وأخذ صور مع الرؤوس المقطوعة والتباهي بذلك

أما علمانية فرنسا فإنها أسوء علمانية تم تطبيقها لحد الآن، وهي أشبه بمحاكم التفتيش، أو بدين متسلط يتدخل في حياة الناس الخاصة، وفي معتقداتهم وشعائرهم ومأكولاتهم ولبوساتهم

فقد عبر وزير داخلية فرنسا قبل فترة قصيرة، عن انزعاجه من وجود مأكولات حلال بالمتاجر الفرنسية، أما التدخل في لباس المسلمات فحدث ولاحرج، أصبحت فرنسا مثل خياط يأخذ قياس المسلمات ويفصل لهن ألبسة على ذوقه ومن اختياره

الجريمة التي راح ضحيتها الأستاذ الفرنسي، لم تكن لتحدث لو أن هذا الأستاذ راعى التنوع الموجود بين تلاميذ فصله، ولو أخذ بعين الاعتبار معتقداتهم وأديانهم... وهذا مثال لأزمة فرنسا مع تنوعها، ومثال لأزمة مثقفيها ونخبتها التي لاترعي السياقات والاختلافات

ماذا الآن عن أزمة المسلمين؟

الواقع يشهد أن المسلمين يعيشون أزمة كبيرة ومستعصية، ولعل التفاعل مع قضيتي أنا شخصيا خلال الأسبوعين الماضيين، يعكس جانبا من هذه الأزمة، لدرجة أنك إذا أعلنت عن حيرتك وشكوك تراودك بخصوص نصوص أو تفسيرات، تتلقى هجوما كاسحا وسيلا من السب والشتم والسخرية والتهديد والوعيد، وعوض أن يجيب الناس عن أسئلتك، أو يطرحوا عليك المزيد من الأسئلة لتتضح لهم الصورة، يفضلون التهجم، والتحدث عن أسباب مضحكة، من قبيل أن شكوكك هذه دافعها الحصول على اللجوء، أو تفسيرات صبيانية تعكس أزمة عقلية وفكرية ونفسية وسلوكية قاتلة لدى هؤلاء

إذا لم يعترف المسلمون بأن هناك أزمة على مستوايات عديدة، فيستحيل أن يهتدوا لأي حل لها، ولن تنفع سياسة النعامة ولا سياسة الهروب إلى الأمام

أول أزمات المسلمين هي عجزهم عن تطبيق نظامهم الإسلامي، وغياب قوانين وتشريعات الإسلام، التي انتهت منذ قرون. وبقاء هذا الجانب من الإسلام في الكتب فقط، وغيابهم عن الواقع كليا

أين هو نظام الحكم الإسلامي، أين هي الشورى أين هو العدل، أين هي الحدود، أين هو النظام الاقتصادي والاجتماعي... الإسلامي؟ لا وجود لذلك

قبل هذا وذاك، المسلمون يعيشون تشرذما وتشظيا عقديا مهولا، ويكفي إلقاء نظرة على أقرب مدرستين من بعضهما، الأشاعرة والسلفيين، وكلاهما تنتميان لطائفة أهل السنة والجماعة، وبالرغم من ذلك فإن العداء والحروب الكلامية، على أبسط الأمور، لاتهدأ إلا لتشتعل من جديد، فما بالك بالطوائف الأبعد؟

المسلمون يعيشون في ذيل الأمم علميا واقتصاديا وسياسيا وعسكريا، والفقر يجتاح بلدانهم والحروب والانقسامات والصراعات والاستبداد والفساد

المسلمون يسهل تجييشهم وشحنهم والعزف على عواطفهم، وبذلك هم أكثر من يخرب أوطانهم، ويطيل أمد تخلفهم وتأخرهم، وهم بأنفسهم يثبتون تهم الإرهاب والهمجية والتطرف على أنفسهم، ويكفي أن عدو من أعدائهم بينهم ويشحنهم أو يستفزهم، ليثبت وجهة نظره القائلة بأنهم متطرفون، ثم ينسحب في هدوء، ليتركهم يجتهدون في إثبات كل الاتهامات على أنفسهم

ما سمي بالربيع العربي، تثبت الأيام أن هناك أياد حركته أو على الأقل اخترقته، وانساق وراءه الناس بكل حماس، ثم أصبحوا فجأة ينفذون أجندات أعدائهم

الجماعات الإرهابية، استطاعت استقطاب عشرات آلاف الشباب المسلم من مختلف دول العالم

في كل مرة يقوم مسلم بدهس مجموعة من المارة، أو قطع رأس أحدهم، أو تفجير نفسه، زو إطلاق النار، بسبب أعمال استفزازية سرعان مايستجيب لها المسلم. وآخرها جريمة قطع رأس الأستاذ الذي قام هو بدوره بجريمة استفزازية بحق المسلمين

قبل أسابيع قام متطرفون يمينيون دانماركيون، بحرق المصحف في مدينة مالمو السويدية، ليثبتوا أن المسلمين همج ومتطرفين، فما كان من المسلمين إلا أن أثبتوا ذلك للعالم، وعوض أن يردوا بشكل هادئ وعقلاني، على استفزازات المتطرفين، بتنظيم ندوات وأنشطة راقية للتعريف بالإسلام وبالقرآن، انطلق المئات من المسلمين في شوارع السويد، مرددين شعارات غريبة لاعلاقة بها لا بالعصر ولا بالواقع، وبدأوا بحرق الممتلكات العامة والخاصة، وتكسير وتدمير أي شيء يجدونه في طريقهم، فدمروا مدينة مالمو، ورشقوا الشرطة السويدية بالحجارة، وكسروا واجهات المنازل والمحلات التجارية ووسائل النقل العمومي، الذي يستعملونه ويحتاجونه في تنقلاتهم، بالرغم من أن العمل الاستفزازي قام به شخص دانماركي ورجع لبلاده، فما ذنب الممتلكات العامة والخاصة السويدية؟؟ لكنه الحمق الذي يأبى أصحابه إلا أن يثبتوا كل التهم عليهم، ويؤكدوا لعدوهم أنه على حق. وهكذا كسب المتطرف اليميني الجولة، وراح يقول في وسائل الإعلام، ألم أقل لكم إنهم همج متخلفون إرهابيون، يشكلون خطرا داهما على بلداننا

قبل أيام أعلنت فرنسية كانت مختطفة لدى تنظيم القاعدة إسلامها، فهلل المسلمون وكبروا وراحوا يتحدثون عن أخلاق المسلمين، الذين جعلوا أسيرة تنبهر بهم وتعلن إسلامها.... المسلمون الذين هللوا وطبلوا، لايعلمون خفايا وخبايا القصة، ولايعلمون هل أسلمت هذه السيدة أم أن هناك مسرحية ما، ولايعلمون أنهم من حيث لايدرون يصفقون لتنظيم القاعدة، ويشيدون به، ولايتساءلون أين هي الأخلاق أصلا في اختطاف امرأة تعمل في الإغاثة، وأين هي الأخلاق في إبقائها محتجزة بالرغم من أنها أسلمت منذ مدة كما يقال، وأين هي الأخلاق في قبض أموال الفدية مثل العصابات الإجرامية، فهل هذه أخلاق إسلامية؟؟ ولماذا بعد أن أسلمت أخذوا الأموال، أليس من الأولى إطلاق سراح مسلمة لحال سبيلها؟؟ المسلمون تركوا كل هذا وتحدثوا عن أخلاق ما؟؟ لا ندري ما هي، هي التي دفعت المختطفة لأن تسلم

طبعا استغل المتطرفون اليمينيون كل ذلك، ليظهروا للعالم أن المسلمين كلهم، يتعاطفون مع تنظيم القاعدة والاختطافات التي يقوم بها، ويصفونه بأنه يمثل أخلاق الإسلام الحقيقية

هذه أمثلة بسيطة لأزمات المسلمين العاطفية والفكرية والسياسية والسلوكية... التي عليهم الاعتراف بها، وتداركها قبل فوات الأوان

صحيح أن هناك أسبابا خارجية وراء ذلك، مثل تسلط الدول الاستعمارية، والاستبداد المحمي من الدول العظمى، لكن لاينبغي تجاهل الأسباب الداخلية الحقيقية والعميقة والضاربة بجذورها

لاينبغي تجاهل الأسباب الطائفية والعقدية والفقهية والتاريخية. لاينبغي تجاهل خطابات الشحن أو خطابات التجهيل، أو خطابات دغدغة العواطف، التي تتبناها تيارات وشيوخ ودعاة

وفي اعتقادي أن الحل بيد الشيوخ والدعاة أنفسهم، والنخبة المثقفة الإسلامية، وذلك بالقطع مع كل خطابات دغدغة العواطف، وخطابات التطرف، وخطابات الشحن، وخطابات الأحلام والأوهام، والعمل بجد ليتعامل المسلم مع واقعه على أسس واقعية وعقلانية

ذل الدوران في فلك الحكام

ذل الدوران في فلك الحكام



لطالما كان القرار السياسي منذ القدم ولا زال، يمرَّر عبر خطبة الخطيب، وفتوى المفتي، ورأي المفكر، وقلم الكاتب، وخبر الصحفي، وصورة المصور... مستعملا كل المنابر قديمها وحديثها، لإضفاء المشروعية أو التأثير في العامة وتوجيهها.
كثيرا ماتكون هذه الجوقة، إحدى أدوات هذا النظام السياسي أو ذاك، تدور في فلكه، وتقتات من فتاته، ومن النادر جدا أن يكون رأي أو قول ما حرا، وصاحبه مستقلا، فهو بالضرورة إن لم يخدم زيدا سيخدم عمروا، إلا ما ندر.
تتعدد الآراء والأقوال المختلفة والمتضادة، وتتنوع وجهات النظر والتفسيرات والتأويلات والتحليلات والمدارس والمذاهب، حد التضارب. وكل هذا لا بأس به ولامشكلة فيه، لايضر أن تكون في المجتمع توجهات متضادة، وآراء مختلفة، وأقوال متعارضة، وتوجهات متصارعة، ومن الممتع جدا أن تقرأ وتطلع عليها، وتتأمل منطلقاتها ومخرجاتها، وكيف تفكر عقول البشر وكيف تشتغل، وتتمرن على النظر للأمور من زوايا متعددة، فلربما في وقت من الأوقات، تتفهم رأي مخالفك، ووجهة نظر خصمك، وتكتشف من جديد أقوالا كنت تحاربها، عن سوء فهم أو انسداد أفق، خلاصة القول لا ضرر في تعدد الآراء، واختلاف الأقوال.
إن الضرر ينشأ عندما يدخل السياسي على الخط، فيطوع هذا الرأي لخدمة قراره، ويستخدم ذلك القول لتمرير مشروعه، والأدهى من هذا وذاك، حين يملي السياسي على المثقف ماينبغي قوله، فيصبح هذا المثقف مجرد بوق، تمر من خلاله أصوات الآخرين.
حين يفعل ذلك، المفكر أو الفقيه أو المفتي أو الصحافي أو الكاتب... فإنه يفقد صفته التي اكتسبها من عمله أو تخصصه، ويفقد سلطته التي منحها له المجتمع. يفقد هويته وشخصيته ويصبح قناة أو أداة من تلك الأدوات التي تستعملها السلطة، يصبح هراوة للقمع أو صافرة للتحذير أو بوقا لإيصال الصوت لأبعد مدى أو شِصَّاً للصيد، حذاءً قلما ممحاة.... لايعود له وجود في عالم البشر، وينتقل لعالم الأدوات والأشياء، ويأخذ مكانه في صندوق أشياء السلطة.
حين يتحول إلي أداة، يصبح من الصعب عليه التعبير عن رأي مستقل، فالأدوات لايمكنها أن تُعبِّر.
يبدأ الأمر من جهة السلطة، بإيحاءات بسيطة، ثم طلبات مؤدبة، ثم توجيهات ممنهجة، ثم أوامر صارمة، ثم أوامر مُذِلَّة، يصبح معها مُنتِج الرأي مجرد عبد عليه أن يطيع، وسيجتهد من تلقاء نفسه في رسم حدوده وخريطة عمله، حتى دون أن تكون هناك أوامر أو توجيهات، وستدفعه عبوديته التي سيطبع معها، إلى الاجتهاد في إنتاج مايتوافق مع رغبات وأهواء السلطة وتوقُّع طلباتها، بل سيبهرها بقدراته وسرعة استجابته، كأنه آلة تمت برمجتها، فتأتي مخرجاتها حتمية بناء على الأوامر التي تم إدخالها وتخزينها. في النهاية الآلة شيء أيضا، وصاحبنا مهما تطور وترقى واجتهد ونجح في عالم الأشياء، سيبقى شيئا.
ربما شيئا ذكيا أو شيئا سريعا أو شيئا خطيرا... لكنه شيء.
إن هذا نفسه ما يحدث مع الكثير من الشيوخ والدعاة والكتاب... الدائرين في فلك الإمارات، ممن راحو يتعسفون في تبرير كل خطواتها، وتمرير كل مشاريعها، حتى أصبح ما يقوله هذا الشيء أو ذاك، لا علاقة له تماما بما كان يقوله قبل فترة ليست بالطويلة.
لا أعارض تغير الأفكار والقناعات، ولاتناقض الشخص مع نفسه، أو تبنيه لما كان ينكره.... هذا من الأمور التي أحترم عليها صاحبها، والتي تدل على تجرده وبحثه الدؤوب والدائم، حتى إن أخطأ اليوم فسيصيب الصواب غدا.
لكنني أعارض أن يتحول الإنسان إلى شيء، وهو لن يتحول إلى شيء، إلا بالدوران في فلك الحاكم، دورانا يحوله من إنسان إلى أداة، عبر عمليات تطويع وإذلال.
لا يتعلق الأمر بالدائرين في فلك الإمارات وحدهم، فكم من المعارضين الذين اختاروا دولا إسلامية أخرى للجوئهم، أصبحوا أبواقا للأنظمة التي احتضنتهم.
صحيح ترتفع أصواتهم في المنابر مُنحوا إياها، ويسيل مداد أقلامهم وديانا وأنهارا، لانتقاد الظلم في بلد معين، أو معارضة سياسة نظام معين، لكنهم لايجرؤون على انتقاد الأنظمة التي تحميهم، بل الأكثر يتحولون إلى مداحين، بل ومطبلين، والتطبيل أول مراحل الدخول في الفَلك، الذي ينتهي بصاحبه إلى التحول إلى أداة مباشرة.
كان الله في عونهم، فتلك البلدان لاتستضيهم إلا لأنها تحتاج لأبواق لمهاجمة الخصوم السياسيين والحكام المنافسين، لكنها ليست ديمقراطية بالقدر الذي تسمح به لممارسة المعارضة والنقد، في النهاية تظل بلدانا عربية وإسلامية، سقف الديمقراطية عندها منخفض جدا، ولو طلب الواحد من هؤلاء لجوءا في دولة ديمقراطية حقيقية، لتمتع بانتقاد ما يشاء، أو على الأقل لن يكون مضطرا للتطبيل لأحد لكي يرضى عنه، ويسمح ببقائه ولايسلمه لدولته لتعدمه.
ومع ذلك فإن الدوران في فلك أي حاكم كيفما كان، هو ذل وهوان.

ما حقيقة أن السويد وأوروبا عموما تسجل أعلى نسب التحرش والاغتصاب؟

ما حقيقة أن السويد وأوروبا عموما تسجل أعلى نسب التحرش والاغتصاب؟


للأسف هذا ما يردده الكثيرون معتمدين على أرقام وحصائيات صماء دون حتى البحث في تفاصيلها والتفسيرات المرفقة معها، ومتجاهلين للواقع، ومنهم للأسف من عاش في هذه الدول، ورأى بعينيه رأي العين، الأمن والأمان والاحترام، لكنه لسبب أو آخر يتعمد تزوير الواقع، بما أن الأمر يتعلق بالغرب الكافر، فلابأس باستعمال التدليس والتزوير والتعميم والتهويل وحتى الكذب...
يظن البعض أنه إذا نفخ في أرقام الجرائم في أوروبا أو زورها أو قرأها قراءة مبتسرة أو خاطئة... فإنه بذلك يقدم خدمة جليلة للإسلام، ويدفع الناس لتبني أنظمته وأحكامه، ويقدمه كبديل لحل هذه المشاكل التي عجز الغرب عن حلها، لذلك تروج بين الكثير من هؤلاء "الطيبين" الأرقام والإحصاءات الأشبه بالخرافات.
قبل التطرق لما وراء أرقام تلك الإحصاءات، دعوني أحدثكم عن الواقع الذي أجزم أن هؤلاء يعرفونه لكنهم يدلسونه.
قد تتجول لأشهر وسنوات في أي بلد أوروبي دون أن تشاهد منظرا واحدا للتحرش.
أنا هنا في السويد منذ سنة ولم أشهد أي حالة أو مشهد، مخل أو مخز، لشاب يتحرش بفتاة أو يضايقها، وبالمقابل كنت أشاهد ذلك يوميا في بلدي وفي بلدان أخرى زرتها في المنطقة، بل ممكن أن تشاهده كل ساعة.
بالعكس الشعب السويدي في غالبه شعب خجول، ويمكن إن أطلت النظر في عيني أي إنسان، أن يبادر لخفض عينيه، وكذلك الأمر بينهم.
هل رأى أحدكم مثل هذا في بلداننا؟
أبدا العكس تماما، هو الذي يحدث عندنا.
ترى المتحرشين الذين لايستعملون أيديهم في الحرش وألسنتهم وكل أعضائهم، ويكتفون بالتحرش بأعينهم، تراهم وقد نزعوا ثياب الفتاة بأعينهم، ونهشوها بنظراتهم، وإذا حملقت في أحدهم لكي يخجل، سيبحلق فيك ويخرج عينيه من محجريهما، ويفترسك بهما إلي أن تخجل أنت.
أقول وبدون مبالغة أن الفتاة والمرأة هنا ممكن أن تتجول في أي وقت من أوقات الليل والنهار، في مكان من الأماكن الخالية أو المكتظة، بأي لباس ساتر أو كاشف... ولن تخاف من أي أحد أبدا، وسبق أن رأيت مثل ذلك في دول أخرى، ونشرته قبل ثلاث سنوات.
بالعودة إلي تلك الأرقام والإحصائيات التي يعتمدها البعض، ليصور أن الدول الأوروبية، فيها التحرش في كل زاوية، والاغتصاب في كل لحظة، وهو ما لم أسجله خلال سنة كاملة كشاهد عيان على هذا المجتمع.
الأرقام التي يعتمدها البعض بحسن أو بسوء نية، بجهل أو عن قصد، تحتاج رلي قليل من التفسير والتوضيح.
أولا: الأوروبيات عموما والسويديات بشكل خاص، عندهن ثقافة التبليغ لدى الشرطة وتسجيل الشكايات، وهو الأمر الغائب عندنا في بلداننا، ولو كانت النساء عندنا تبلغ بالشكل الذي تفعله النساء هنا، لكانت الأرقام عندنا لاتختلف عن أرقام البطالة والأمية والفساد المالي والرشوة وحرية التعبير والجرائم... كنا سنكون على رأس اللائحة ولن يتفوق علينا أحد.
ثانيا: يمكن أن يدخل في التحرش والاغتصاب هنا، ما لانعتبره كذلك في بلداننا، بحيث أن الزوجة إذا لم ترد ممارسة الجنس مع زوجها، وألح عليها في ممارسة الجنس، تعتبر ذلك اغتصابا، وتسجل شكاية في الموضوع، ومن الممكن أن تفعل العشيقة مع عشيقها نفس الشيء، وممكن أن تنتقم العاهرة من زبونها بتسجيل شكاية اغتصاب، وقد تعتبر زميلة في العمل نظرة زميلها تحرشا، فتسجل شكاية. فتخيلوا معي لو أن كل زوجة عندنا سجلت شكاية اغتصاب، وكل موظفة سجلت شكاية تحرش، كم كانت الأرقام ستكون عندنا؟
ثالثا: تلك الإحصائيات تعتمد على عدد الشكايات المسجلة لدى الشرطة والسلطات المعنية، حتى قبل التحقق منها. بمعنى أن هناك الكثير من الشكايات الكيدية أو الانتقامية أو الكاذبة، تظهر بعد إجراء التحقيقات وإصدار الأحكام النهائية، لكن لايتم اعتمادها في الإحصائيات، بل يتم التعامل مع كم من شكاية تم تسجيلها بخصوص التحرش والاغتصاب، دون النظر هل كان اغتصابا حقا أو هل كان تحرشا حقا؟
رابعا: للأسف الشديد نسب كبيرة جدا من عمليات التحرش والاغتصاب، تورط فيها مهاجرون، وقد اطلعت على إحصائيات لتطور نسبة الشكايات، فكانت المنحنى سجل ارتفاعا كبيرا جدا، في السنوات التي استقبلت فيها السويد مئات آلاف السوريين، بل تم تم تسجيل شكايات بالسوريين وبينهم عدد كبير من القاصرين. وكلنا نتذكر فضيحة التحرش الجماعي لعدد من المهاجرين في ألمانيا، وهي موثقة بالفيديو.
ختاما، يمكن للإنسان أن يدافع عن معتقداته، وأن يقدم المشاريع والبدائل، لكن عليه أن يفعل ذلك بموضوعية وصدق وعدل، وأن يتمثل هو أولا خلق الصدق، بعيدا عن الكذب والتدليس.
ثم أين العيب أن تقول أن البلد الغربي الفلاني حقق قفزة أو نجاحا في هذا الجانب أو ذاك؟
هل تعتقد أن نجاحه هو بالضرورة فشل لك؟ أي تلازم بين هذا وذاك؟
ألا ترى أنك لتسيء للحق الذي معك، حين تعتقد أنه لايمكن نصره ونشره إلا بالكذب على الآخرين؟
ألا يمكنك أن ترى الموضوع من زاوية أخرى، فتنشر الأمل بين الناس، بأن هناك دولا أخرى نجحت في محاصرة هذه الظواهر السيئة، وأن الأمر ممكن وليس مستحيلا، فتكون زرعت الأمل ونشرت الإيجابية، وكنت موضوعيا ومنصفا وصادقا وعادلا ؟

المشككون في كورونا بخلفيات دينية

المشككون في كورونا بخلفيات دينية



المتابع لردود الفعل حول كل مايتعلق بأخبار كورونا، سيلاحظ أن خطاب المتعصبين دينيا في كل الديانات والمعتقدات، خاصة أولئك الذين يحاولون ربط كل مايقع من أحداث وأمراض وظواهر... بتفسيرات وتأويلات يرتاحون إليها وتستهويها أنفسهم، سيلاحظ أن هذا الخطاب قد تحول وتغير أكثر من مرة، وأنه لايستقر على قرار، وأنه يتغير بحسب نفسية ومزاج وهوى قائله.
في بداية ظهور الوباء، روج هؤلاء أنه عقاب من إلهي ضد الخصوم.
وهناك من قال إنه علامة على ظهور مخلِّصهم
ومنهم من قال إنه علامة على انتشار معتقداتهم...
بعد أن ظهر أنه وباء كسائر الأوبئة والأمراض التي تضرب البشر كلهم، في مختلف الأزمنة والأمكنة، ولاتفرق بين أجناسهم وأديانهم.
خرج هؤلاء، ليقولوا إنه مؤامرة ضد أقوامهم وأممهم، أو أنه ما تم إنتاجه إلا لاستهداف معابدهم، وتجمعاتهم الدينية.
الغريب أن أتباعهم، نسوا أن كبراءهم كانوا قبل أسابيع فقط يقولون لهم أنه عقاب لأعدائهم، ثم تحول إلى عقاب ومؤامرة تستهدفهم.
وهكذا بعد فشل التفسير الأول، انتقلوا لتفسير اخر، وتشبثوا به وعضوا عليه بنواجذهم.
لكن الغريب أنه كانت بينهم فروقات كبيرة، وتناقضات وتضاربات، وربما تناقض الواحد منهم أكثر من مرة، فهو تارة ينفي وجود الوباء جملة وتفصيلا، وتارة يقول أن وراءه أياد صنعته، ولايستقر على رأي بخصوص تلك الجهة التي صنعته، فتارة يقول الصين وتارة أمريكا وتارة روسيا... وهلم جرا، المهم أن يقول أي شيء يدغدغ به عواطف من يستمع له. 
ثم تحول بعضهم للاعتراف بوجوده، لكن يشكك في خطورته، وآخرون شككوا في الأدوية، فقالوا أن دواءه موجود، منهم من قال أنه موجود في الصيدليات، ومنهم من اجتهد وقال إنه نفسه دواء الأنفلونزا، ومنهم من نصح بالخلطات التقليدية، ومنهم من حذر الناس من كل لقاح أو دواء، وشكك في كل إعلان عن قرب وجود لقاح....
فهل يستند هؤلاء المتعصبون في نفيهم أو إثباتهم أو تشكيكهم أو نصائحهم... لأسس طبية أو مصادر علمية أو أوراق بحثية أو تجربة ميدانية.... أبدا فهؤلاء الذين يثيرون هذه الضجة بين الأتباع، ليسوا علماء ولا أطباء ولا باحثين، ولا يقرؤون ماتنشره مراكز الدراسات ولامختبرات الأبحاث... بل لايقرؤون حتى مايتم نشره بلغاتهم الأم، فكيف يتابعون مايتم إنتاجه بلغات أخرى. ومع ذلك فهوايتهم هي قول أي شيء، والخوض في التفسير ونقيضه، وتبني الكلام وضده.
لماذا يا ترى يفعلون هذا؟
يعتقد المتعصبون لتفسير معين، يستهويهم ويأسرهم ويأخذ بألبابهم، أن التفسيرات التي يتبنونها هي الحق المطلق، وأن معتقداتهم في التفسير لكل شيء، والحل لكل مشكلة، والدواء لكل داء، وأن معتقداتهم تؤهلهم لفهم نواميس الكون وقوانينه وكيف يشتغل. وحين تتناقض تفسيراتهم وتأويلاتهم وأفهامهم، مع الواقع الذي يعيشونه، عوض أن يراجعوا أنفسهم، ويعيدوا النظر في تفسيراتهم، يحاولون تأويل الواقع كله، وتكذيب حقائقه، والضرب بعرض الحائط، كل مايظهرهم بمظهر المخطئ، حتى لو كانت حقائق علمية، أو شهادات متواترة من شعوب العالم جميعا.
لذلك كلما تم إعلان حقيقة ما، أو التوصل لنتيجة ما، سيستمر هؤلاء في تكذيبها والتشويش عليها، لأنهم يرون أنها تفسد عليهم تفسيراتهم الخرافية.
فإذا تم الإعلان عن لقاح مثلا، سيتم التشغيب والتشويش والسخرية، وعمل كل ما في الإمكان لتكذب ذلك، لأنهم يفهمون جيدا، أن ظهور لقاح، يعني أنه ليست هناك مؤامرة، وأنه ليس هناك عقاب خاص بقوم معينين، أو مؤامرة ضد أمة أو أماكن عبادتها...
كل حقيقة يتوصل إليها العلماء والباحثون ورجال المختبرات ومتخصصوا الأوبئة والجينات وصناع الأدوية... هي هدم لتفسير هؤلاء، لذلك سنظل نرى التشغيب المتواصل، والتشويش المستمر، والضحك على المغفلين، من طرف كل من هب ودب.
وأكبر مثال على ذلك، ما فعله بضعة أطباء أمريكيين مسيحيين متعصبين دينيا، بعضهم ينتمون لطوائف معينة، حين نفوا وجود الفيروس، واحتجوا على ذلك أمام البيت الأبيض. (نفس الشيء عند طوائف من اليهود، وأيضا بعض المسلمين...)
لذلك الحذر الحذر، من كل من يحاول تزهيد الناس في البحث العلمي، وتبخيس الحقائق العلمية والمنهجية العلمية، وربط الناس بتأويلاته وتفسيراته وتخميناتها ومقامراته الشخصية.
إنه بذلك يصنع أجيالا من البدائيين المتخلين عن عقولهم، المنعزلين المتوجسين من العالم، المشككين في كل ما هو خارج دائرة معتقداتهم وتفسيراتهم.
يصنع نماذج مؤهلة للسقوط بكل سهولة ويسر بين براثين الخرافة والتطرف عند أول فرصة.

عمليات المتطرفين وخطابات المحرضين

عمليات المتطرفين وخطابات المحرضين

متابعة


ظهرت بعض التدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي، قبل بضعة أيام. تستنكر الحكم على سفاح جريمة نيوزيلندا الإرهابية، التي نفذها يميني مسيحي متطرف (الصورة على اليمين).
التدوينات استنكرت الحكم على هذا المجرم ب 17 سنة، وتساءلت لماذا لا يتم الحكم عليه بالإعدام؟
بالإضافة إلى أن تلك التدوينات أخطأت في ذكر العقوبة التي تم الحكم بها على المجرم، وهي المؤبد وليس 17 سنة، فإنها من جهة تجاهلت أن حكم الإعدام غير موجود في هذا البلد، وأن آخر عقوبة إعدام تم تنفيذها سنة 1957.
قلت بالإضافة لذلك، فإن الناشرين لهذه التدوينات، حاولوا دغدغة العواطف وتأجيج المشاعر، عن طريق التعميمات والأخطاء كالقول:
لو تعلق الأمر بمسلم لحكموا عليه بالإعدام.
هذا المجرم لم يأخذ هذا الحكم إلا لأنه قتل مسلمين، ولو قتل غيرهم لحكموا عليه بأكثر من ذلك.
إنها حرب على المسلمين.
القضاء تعاطف مع المجرم.
إلى غير ذلك من الغرائب والعجائب والتفاهات والحماقات، التي أصلا تم بناؤها على أن الحكم الذي صدر بحق هذا المجرم هو 17 سنة.
الغريب أن الكثير من الناس، حين يتعلق الأمر بهذا التحشيد والتجييش والتحريض... لايتثبتون أبدا، ولا تهمهم المعلومة الصحيحة أبدا، ولا ينظرون لعواقب كتاباتهم وأثرها على المتحمسين والمراهقين والمتطرفين والجهال وأنصاف المتعلمين... لأن الغرض هو زرع البغض والحقد والرغبة في الانتقام، تجاه الآخر غير المسلم كيفما كان، وتصويره على أنه دوما متآمر متربص بإطلاق وبدون أي تفصيل.
يعتقد هؤلاء، أن تنشئة أجيال تكره الآخر غير المسلم، وتحقد عليه، وتشيطنه، ليكون جاهزا للانقضاض في أي لحظة، هو السبيل إلى نهضة هذه الأمة، وتخطي انتكاساتها وهزائمها...
يتصور هؤلاء، أن المجتمعات إما أن تكون بيضاء أو سوداء، كافرة كلها زو مسلمة كلها، محاربة كلها أو مسالمة كلها، لا مجال لوجود مجتمعات مركبة ومتنوعة في عقولهم، لا يتخيلون أن في هذا المجتمع الذي خرج منه هذا المجرم السفاح هناك عشرات أو مئات الآلاف الذين تضامنوا واستنكروا العملية الإرهابية، وقدموا المساعدات، وقد تداول الناس عشرات الصور والفيديوات التي وثقت لذلك، من أناس يتجولون بدراجات نارية كبيرة يواسون المسلمين في مصابهم. لا يتصور هؤلاء أن في تلك البلدان ملايين المسلمين، إما أصليين أو وافدين، وملايين الناس من ديانات أخرى أو لادينيين مسالمين لايريدون محاربة أحد...
كل هذا لايهم أصحاب تلك التدوينات، الذي يهمهم هو أن يصل من يقرأ تدويناتهم لدرجة الغليان على شعوب الغرب "الكافرة المجرمة" التي تفجر المساجد في كل دقيقة وتقتل المسلمين المتواجدين فيها في كل ثانية، ومحاكمها تتعاطف مع المجرمين، وسلطاتها تحرض المجرمين على قتل المسلمين، الكل متآمر هناك.
صورة غريبة ومضحكة ومؤسفة ومحزنة، يحاول هؤلاء الاستثمار فيها، لإنتاج القنابل البشرية الموقوتة. عوض تناول الحادثة بالتفصيل المطلوب، والحديث عن كل جهة بما لها وما عليها.
قضية أنه لو كان مسلما لأعطوه الإعدام، إحدى المغالطات التي روج لها أصحاب تلك التدوينات، لأن إرهابيين مسلمين بالعشرات نفذوا جرائم بشعة، وعمليات إرهابية، من ذبح وقتل ودهس وتفجير، ولم يحكموا عليهم بالإعدام.
الصورة (على اليسار) للأوزبكي "رحمت عقيلوف" وهو يشير بسبباته معلنا أنه على عقيدة التوحيد، وهو السفاح الذي نفذ عملية دهس إرهابية في استوكهولم قبل ثلاث سنوات، حيث أعلن بيعته لداعش، وقاد شاحنة كبيرة بسرعة جنونية، وقتل وجرح العشرات، قرب محطة القطار بستوكهولم.
حكم على هذا السفاح المسلم، بالمؤبد، وليس بالإعدام كما روج أصحاب هذه التدوينات، من أنه لو كان المجرم المسكين مسلما، لحكموا عليه بالإعدام.
الغريب أن هذا المجرم، قبل ثلاثة أيام، طلب من إدارة السجن أن تأتيه بحلوى وشوكلاطة، وحين سألوه لماذا. قال لهم أريد أن أحتفل بالذكرى الثالثة لعمليتي الجهادية.
أصحاب تلك التدوينات، سيقولون لاينبغي تعميم مافعله هذا الإرهابي على كل المسلمين، والإسلام لايقبل بهذا....
جميل...
هذا ما نقوله كلنا، وهو نفس الميزان الذي ينبغي أن نتعامل به مع كل المتطرفين والسفاحين والمجرمين... فلماذا تستغلون الحكم على سفاح نيوزيلندا، وتروجوا للمعلومات المغلوطة، لتشحنوا الناس ضد كل غير المسلمين؟؟ كأن نهضة الأمة وانتصارها، مشروط بكره كل الشعوب الأخرى وشيطنتها ووضعها في سلة واحدة، وملء صدور شبابنا حقدا وكرها ورغبة في الانتقام، من كل سكان الكرة الأرضية. (لكي يكون جاهزا لأي خلية إرهابية تريد أن تلبسه حزاما ناسفا، وعلى أتم الاستعداد للتنفيذ، مثل صاحب الصورة الذي يشير بسبباته، والنور يشع من وجهه).
لا نحتاج لنشر الأكاذيب ولا لنشر الأحقاد، لكي ننتصر.
الانتصار له شروطه ومقوماته، وإذا عجزَ المرء عن إدراكها فلاينبغي له الاختباء وراء خطابات التحريض، التي لا تأتي إلا بالدمار .

فوضى في السويد بعد إحراق متطرف دانماركي للمصحف

فوضى في السويد بعد إحراق متطرف دانماركي للمصحف

مصطفى الحسناوي ـ السويد



عاشت أمس مدينة مالمو السويدية، يوما أسودا وليلة بيضاء، من مظاهرات وإحراق للإطارات وإشعال للنيران وتخريب وتكسير وفوضى... من طرف مئات الشباب المهاجرين العرب والمسلمين.

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏‏شخص أو أكثر‏، ‏أشخاص يقفون‏‏ و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏‏

هذه الفوضى جاءت نتيجة لعمل استفزازي جبان، بعد إقدام ثلاثة عنصريين متطرفين، في حزب "الخط المتشدد" الدنماركي، على إحراق نسخة من القرآن.
بدأت القصة، حين عمد زعيم الحزب الدنماركي المتطرف، "راسموس بالودان"، على مدى أسبوعين على استفزاز المسلمين، لعله يظفر بأي رد فعل منهم ليوظفه في خطاباته وحملاته.
طلب "بالودان"، ترخيصا من السلطات السويدية ليقوم بإحراق المصحف في مدينة مالمو، بالتزامن مع أداء المسلمين لصلاة الجمعة، لكن السلطات السويدية رفضت منحه الترخيص، ثم حاول الدخول للسويد، لكن شرطة الحدود منعته.

(المجرم العنصري المتطرف الدانماركي، أثناء عمله الاستفزازي)

بعد منع السويد دخول هذا المتطرف، وعدم الترخيص لوقفته ومبادرته، قام بالتسلل رفقة شخصين من أتباعه، ونظم الثلاثة وقفة غير مرخصة في مكان خالٍ من الناس في منطقة "روزنغورد" بمالمو، وقاموا بإحراق المصحف وتصوير الحدث وبثه على مواقع التواصل، لتأتي الشرطة على الفور، وتعتقل هذا المتطرف العنصري، وترحله لبلاده الدانمارك مع منعه من دخول السويد لمدة سنتين.

(المجرم العنصري المتطرف الدانماركي، أثناء اعتقاله)

بعد انتشار الخبر بسرعة، قام المسلمون بتنظيم وقفات احتجاجية، تنديدا بهذا العمل الجبان، مباشرة بعد خروجهم من صلاة الجمعة، لكن الأمور للأسف انفلتت وخرجت عن السيطرة، وانتهت بمواجهات مع الشرطة السويدية بالحجارة، وعمليات إحراق وتخريب واسعة جدا.

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏ليل‏ و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏‏

اليمين المتطرف وصل برلمانات وحكومات أوروبا

اليمين المتطرف وصل برلمانات وحكومات أوروبا


قبل سنة نشر الصحفيان المعنيان بقضايا اليمين المتطرف في أوروبا كريستيان فوكس وبول ميدلهوف كتابا تحت عنوان "شبكة اليمين الجديد"، لمحاولة فهم دينامية عمل الشبكة وطرق تمويلها وأهدافها.
وحذر الصحفيان الدول الأوروبية من خطورة تلك الشبكات التي تشكلت بشكل معقد من أحزاب وتنظيمات وحركات يمينية متطرفة يمكن وصفها بـ"اليمين الجديد"، تنتشر في الشوارع والإنترنت، قائلين إن "بعضها وصل للبرلمان أو الحكومة في القارة الأوروبية"، وتمثل خطرا كبيرا لا تدرك السلطات حجمه حتى اليوم.
الكتاب الصادر بالألمانية ويتناول قضية اليمين المتطرف في 250 صفحة من القطع المتوسط، يركز على 150 حزبا ومنظمة وحركة يمينية متطرفة ترتبط بقوة بعضها بعضا، أبرزها حزب "البديل" ثالث أكبر كتلة في البرلمان الألماني، وحزب الحرية المشارك في الحكومة النمساوية، وحركة الهوية التي جرى تأسيسها في فرنسا عام 2012 وتملك فروعا في ألمانيا والنمسا، وثبت مؤخرا تلقي فرعها النمساوي تبرعات من منفذ هجوم نيوزيلندا الإرهابي، وحركة بيجيدا الألمانية المعادية للإسلام.
وينطلق الكتاب من فرضية أساسية هي أن شبكة اليمين الجديد في أوروبا تريد "احتلال كل قطاع في المجتمع وتقديم بديل لكل شيء"، ودلل على ذلك بأن الشبكة تملك مجلة "اركادي" الخاصة التي تجذب كثيرا من الشباب، وتقدم مقالات عن نمط الحياة اليميني، وإعلانات عن شركات ونشطاء اليمين المتطرف.
غلاف كتاب "شبكة اليمين الجديد"
وحسب صحيفة "بيلد" الألمانية، فالكتاب يفضح طرق اتباع اليمين المتطرف في الظهور، حيث يسعون لشراء أزياء معبرة عن فكرتهم مثل قمصان "نحن الشعب" من متجر "فالانكس"، وسماع الموسيقى الخاصة بهم من مطربين يمينيين أبرزهم مغني الراب الألماني كومبلوت، ومتابعة إذاعة الراديو "لايت بيت راديو" التي تقدم محتوى معبرا عن شبكة اليمين الجديد، فضلا عن تواجد نشطاء بارزين للشبكة على شبكات التواصل الاجتماعي مثل بيرتني بيتيبون.
ولا يتوقف الأمر عند ذلك، فدار النشر الخاصة كوب، وصحيفة "يونجه فرايهايت" ومجلة "كومباكت" الخاصتين جزء من شبكة اليمين الجديد في أوروبا، فيما يبدو وكأنه "مجتمع مغلق يتحرك فيه المؤمنون بأفكار اليمين المتطرف"، حسب الكتاب.
وذكر الكتاب أن "شبكة اليمين الجديد تمثل بالأساس أقلية سياسية متطرفة، ومنظمة بشكل جيد، وصاخبة"، مضيفا "الخبراء حذروا لسنوات من خطورة اليمين المتطرف، وحتى اليوم لا تزال السلطات لا تدرك حجم الخطر وتقلل منه".
طرد اللاجئين
وحول طرق تمويل هذه الحركات، ذكر الكتاب أن رواد الأعمال وملاك السفن في ولايتي هامبورغ "وسط" وبافاريا "جنوب" الألمانيتين ضخوا عشرات آلاف من اليورهات في شبكة اليمين الجديد في السنوات الأخيرة، فضلا عن مساهمات الأشخاص العاديين من المتعاطفين أو أعضاء الحركات الأساسية المكونة لليمين الجديد في أوروبا.
وتقوم فكرة اليمين الجديد على منح السيطرة لـ"السكان الأصليين" أو "المواطنين المرتبطين ثقافيا بأوروبا"، ورفض اللاجئين والمهاجرين والمطالبة بطردهم من البلاد في أحيان كثيرة، ويطرح اليمين الجديد نفسه كبديل للأنظمة السياسية الحالية في أوروبا، ويطمح للسيطرة المنفردة على السلطة.
ووفق الكتاب، فإن تأثير شبكة اليمين الجديد وصل البرلمان الألماني على يد حزب البديل لأجل ألمانيا، والحكومة النمساوية على يد حزب الحرية، لافتا إلى أن الحزبين مرتبطين بحركتي الهوية وبيجيدا المتطرفتين.
ولفت الكتاب إلى أن شبكة اليمين الجديد نمت في السنوات الأخيرة في ركب اليمين القديم الأكثر رديكالية، قائلا: إن" شبكة اليمين الجديد عبارة عن "نبيذ معتق في زجاجة جديدة".
وتابع أن الشبكة تعود جذورها الأولى لحركات النازيين الجدد التي برزت في تسعينيات القرن الماضي.
ووفق صحيفة بيلد، فإن مؤلفي الكتاب تعرضوا لحملات كراهية على الإنترنت خلال الأيام الأخيرة، وتلقوا تهديدات عبر البريد الإلكتروني، وتعليقات تهدد باستخدام العنف ضدهم.
وقررت السلطات النمساوية قبل أسبوعين دراسة حظر حركة الهوية، أبرز حركات اليمين الجديد في أوروبا، بسبب ثبوت تلقيها تبرعات من منفذ هجوم نيوزيلندا الإرهابي الذي استهدف مسجدين وأودى بحياة 50 شخصا على الأقل، وباءت محاولات حزب الحرية في النأي بنفسه عن الحركة بالفشل، مع كشف تقارير صحفية عن مشاركة رموزه ومنهم وزير الداخلية هيربرت كيكل في فعاليات للحركة وتبنيه أفكارهم.
وأوقفت السلطات الألمانية الأسبوع الماضي رجلا أرسل 200 خطاب تهديد بأعمال عنف وتفجيرات إلى مؤسسات حكومية وشخصيات سياسية عامة في ألمانيا، موقعة بـ"الاشتراكيين القوميين"، وهي أيديولوجية النظام النازي بقيادة أدولف هتلر، الذي حكم ألمانيا في الفترة بين 1933 و1945.